Tropiquillos, traducido al árabe

Manar Abd el Moez

  هلاوس خريفية

1

كان شهر أكتوبر يقترب من نهايته و كان صدري ضائقاً من ألمين مزدوجين: الألم المعنوي و آلام الجسد القاسية التي اعترتني ،  فسقت نفسي بعيداً عن  المدينة المتقدة الحرارة باحثاً لي عن مكان خفي يمكنني أن أرتمي به ككائن لا قيمة له غير جدير بالحياة ، فلا يقطع كائن من كان الاهتمام الأوحد الذي أستطيع القيام به: أن أتأمل تدهور حالتي و مراقبة انزلاقي البطئ الذي لا توقفه هدنة أو أمل نحو الموت.

الحقول أمامي أكثر تعاسة من القبور. قال لي الأطباء أنني سأموت مع تساقط أوراق الأشجار. و الآن أراها تشحب و ترتجف على الأغصان كما لو أنها أصيبت بالعدوى من الحمى و الخوف الذي اعتراني. السماء الساكنة تشع ضوءاً تزيد قوته عن قدرة عيني على تحمله. بعد القيظ الرطب للنهار  أتت من خلف الجبال رياح الشمال شاهرة سيفها و ملثمة بالظلال الخادعة  فتدثرت أنا أيضاً بعبائتي الفقيرة دافساً رأسي فيها حتى تبتعد هذه الرياح دون أن تتوقف عندي أو  تحفني.

وجدت حقل والديّ و المنزل المتواضع الذى ولدت فيه رقعة رثةً وحيدة مهملة خربة يرثى لحالها. غطت الأرض التي   خلت من أية علامة للحرث أعشاب معمرة و نباتات برية تسلقت عليها الأشواك،  و جفت أشجار الكروم المهملة  أو أصابها الهرم و المرض فأصبحت تطرح أعناباً فقيرة شحيحة تتشبث بالأشواك القريبة  كيلا تسقط. و الأشجار التي كانت تحمي بظلالها اللطيفة الأرض المحيطة بها و تحتضن جمع الأسرة آل بها الحال لتصبح أخشاباً جافةً عارية حرّقتها الحرارة أحياناً و جمّدتها البرودة أحياناً أخرى حسب تغيرات الطقس فأصبحت تنتظر الفأس و السكينة  في مستودع الحطب كما تنتظر الجثة السكينة في القبر.  و أشجار أخرى احتفظت ببقايا حيوية ضعيفة في عروقها المريضة زينت جذعها وريقات فقيرة بشكل هزلي فكانت كشخص متباه ارتصت فوق كفنه الأوسمة.  ثم لم تعد الأسوار الحجرية تعوق حتى خطوة السحالي الزلقة فأصبحت أحجارها تتساقط داهسةً أحياناً الكائنات التي تسكنها.   و المكان كله امتلأ بآثار القواقع اللزجة و النباتات التي قرضتها الحشرات و ستائر هائلة من خيوط العنكبوت و سحب من كائنات دقيقة نهمة للابقاء على هذا القدر الهائل من الخراب و الوحشة. 

2

كان البطل في هذا المشهد الكئيب أطلال المنزل الذي شققته صواعق كطعنات رماح و سوّده الحريق و نزل سقفه ليتحول إلى أساساته، و تحولت الأساسات إلى وحل بفعل الرطوبة ، و الجدران لرماد.

عندما رأيت هذا القدر من الأشياء الهالكة الحبيبة على قلبي تساءلت ما إذا كنت أنا أيضاً في عداد الأموات و تحللت مثلها و ما إذا كان وجودي هنا ما هو إلا كطيف شبح يزور و يتذكر مشهد الأيام الحقيقية و الشكل السابق للمكان . استدعى هذا الخاطر مئات الذكريات، فقد لاح لي مشهد ألعاب الطفولة و تركي المبكر لمنزل والديّ لاهثاً خلف مغامرات حمقاء عندما اجتاحتني حمى النقود.

 راجعت خطواتي الأولى في القارة البعيدة حيث تلهب الشمس الرأس و تسمم الدم، طالعت معاركى العظيمة، سقطاتي و انتصاراتي، و عطشي الذي لا يروى للمال، حينئذ أحسست بتجدد اضطرام نيران  الحماسة التي استهلكت صحتي. رأيت نفسي و أنا  أطارد الثروة و ألحق بها في أغلب الأحيان. تذكرت العمي الذي ساقني إليه  زهوي و غروري و الأهمية الكبرى الذي كنت أوليها لثروتي الضخمة، تلك الثروة التي كدستها من غابات الفلفل الأسود و القرفة ، و التي استخرجتها من البحار و الأنهار و  أسنان الأفيال الصرعي و من تلك العصارة التي تسبب النعاس لأهل الشرق و النبتة الخضراء الضاربة إلى السواد التي تشحذ قريحة الإنجليز.

ثم إذا بي  أجد نفسي فجأةً -بعد أن كنت ممدوحاً مبجلاً  محبوباً ممن أحببت ثرياً ذا سلطان- و قد حل  بي  سوء الحظ و النكبات. مر أمام عينيً التدهور الفجائي الذي ألم بي و المحاط بدخان حرائق و أمواج مغرقة و أنفاس  الخونة و نظرات متهربة من سيدة خائنة و صرخات مثيري الفتنة الهمج،  و دوي غلايات البخار المتفجرة ، و العبير القاتل للزهور الاستوائية، و الطقس الملئ بالأوبئة الآسيوية، و الخربشة الكريهة من الكتابة الشبيهة بالصينية ، و تلك الفوضى المريعة من كلمات السباب بالإنجليزية و البرتغالية و الإسبانية و التاغالية و الهندية و اليابانية من أفواه بيضاء و سوداء و حمراء و صفراء و نحاسية و مكممة.

لم يبق إلا الكسل الكريه لابحار  بطئ كئيب لسفينة بخارية تضرب رأسي برفاسها بانتظام يوماً بعد الآخر. و لم يبق  بداخلي إلا الإحساس بالخزي و الآلام الجسدية التي تنبئ بنهاية تعسة.  لم أعد إلا مريضاَ مستهلكاَ، و لم أتعد كوني فتيل ظمآن تتمسك بجذوته السوداء شعلة مترنحة يمكن أن تخمد مع أول هبّة من نسائم الخريف.

ثم وجدت نفسي في المكان الذي شهد بداية حياتي: في البيت الذي ولدت فيه، وسط أطلال كثيرة مسكونة  و لكن فقط بالروح المثالية للذكريات. مات والديّ و إخوتي، و اختفت ذكرى تلك العائلة الطيبة و أصبح كل شئ تراباَ منثوراَ كتراب هذا المنزل. و أنا- الشخص الوحيد الذي لا زال موجوداَ- أصبحت مثل أثر سير السفينة المبتعدة: يزداد في الاختفاء مع كل دقيقة، فقد كنت أنا أيضاً أموت بالحزن و السُل، شكلي النهاية الإنسانية الحتميين . أحاط بي التراب و السحالي و العناكب و الرطوبة و الوحوش الضارية  الدقيقة التي تتغذي خلال حياتها القصيرة  على رفات الحياة الطويلة، كلها كانت تنتظرني بتلهف جائع.         

-إني قادم، قادم

 قلتها و أنا سانداً برأسي على حجر ، ثم ظهر جسم داكن فصل بين عينيّ و النور، فأدركت بوجود ما معي…أكان رجلاً؟

3

نعم، لم يعد عندي شك في  أن ما رأيته أمامي كان رجلاً بالرغم من أنه كان بسمنته اللطيفة كبرميل متباه ملئ بالخمر الطيب. رأيت غليوناً يظهر بين غابة كثة من الشوارب المصفرة. و عندما تبددت سحب الدخان الكثيفة التي كانت تخرج من هذا الغليون، تكشفت لي وجنتان مستديرتان مصبوغتان بلون حمرة فجر تحسده عليها و تتمناها أية فتاة ، و عينان كبيرتان كثيرتا الحركة و بهما حيوية  مفرطة مثبتتان عليّ، تتفحصاني في عجالة من وجهي إلى قدميي و من عباءتي القصيرة  البالية حتى يدي المرتعشتين.

و كانت رأس  هذا الشخص الذي يستكشفني مستديرة و ذات شعر جاف و منكوش  به القليل من الشيب. و كان يرتدي تلك الحلة الخاصة بالعمل التي نطلق عليها: «مريلة»، ومن تحت «الكرش» الذي أظهرته هذه المريلة ظهرت ساقان قويتان كأساس جيد لهذه البنية المدهشة ، و فوق المريلة بجانب حمالات البنطلون رأيت ذراعين مغمودتين في كمّي القميص تُفتحان لي على وسعهما  في دهشة و مودة ، و صاحب ذلك هذه الكلمات:

-لا، إنني لست واهماً، إنك تروبيكيّوس…، أأنت هو حقيقةً؟ نعم، إنه أنت، الابن الأكبر للسيد لاثارو تروبيكيّوس الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى  عشية ليلة الحريق  و قبل ليلة من الفيضان … أو العكس، في اليوم التالي لمعركة ثارابيكوس التي لقي فيها أبنائه و إخوانه  بالتاسار و كوسمي تروبيكيّوس مصرعهم فيها. من المدهش ملاحظة كيف تنعش الأحزان ذكريات الطفولة و كيف نتعرف في ساعات الشدة على أشياء و ملامح كنا نعتقد أنها قد محيت للأبد من عقولنا.

كان ذلك الشخص السيد كوباس صانع البراميل، صديق لأبي و من في الأيام الخوالي ، رجل رائع و مجتهد  ، شديد الحنان و الود و كنا نسميه في القرية : «المعلم كوباس».

قلت له: «أنا الشخص الذي تظن أنه هو. و أنت المعلم كوباس الذي كنت أذهب إلى ورشته للعب أما تزال  الصغيرة رامونا و بيليساريون على قيد الحياة؟ آه يا معلم كوباس، كم من الذكريات حضرتني ، لقد فقدت كل شئ الآن ، كل شئ أصبح أطلالاً، انتهى كل شئ. حتى أنا الذي قد أبدو من الأحياء لست في حقيقة الأمر إلا جثة تتحرك و تتكلم.

  • «سبحان الله» ، -تعجب المعلم كوباس الطيب و الذي كان يستخدم هذه العبارة  كلزمة-  كنت أعتقد  أنه لم يبق على قيد الحياة أي شخص من عائلة تروبيكيّوس. فعندما كان السيد لاثارو على وشك اغلاق عينيه للأبد قال لي «أنا الأخير يا  عزيزي كوباس ، لأن ولدي ثاكاريّاس يقبع هناك، في أعمق الأعماق، يغطيه البحر كبلاطة ضريح.
  • لا، – أجبت بعد أن شعرت أن عيناي امتلئتا بالدموع – أمامك الآن ، مريضاً ، ذلك الشخص الذي كان من قبل في كامل صحته  وعنفوانه، فقيراً من كان من قبل ثرياً. أنا الذي رأيت الأفيال عن قرب مثلما ترى أنت الآن  عن قرب أحجار هذا السور الذي أمامنا، لقد عدت إلى  أوروبا متسولاً. 
  • «سبحان الله» ، كم من الأحوال تتبدل. فأنا، بخلافك كنت فقيراً و أصبحت غنياً، و أدين بهذا النجاح في العمل لتوفيق الله و مساعدة والدك لي، فهو الذي قام بمؤازرتي  علي أكمل وجه.  أترى هذا؟ -و أشار بيده القوية إلى الربى القريبة الوافرة بأشجار الكروم ذات الأوراق التي تحول لونها إلى الذهبى   و تطل من بينها الثمار السوداء-  إن كل هذا ملكي …
  • هل تري ما هناك؟ -أجبته بمرارة مشيراً على عبائتي القصيرة – حتى هذا لم يعد ملكي. لقد أعارني إياها شخص عندما كان مغادراً للسفينة كيلا أموت من البرد. إن ناراً إستوائيةً تكوي أحشائي و  إعصار التيفون الإستوائي يحرق في رأسي، إن جلدي يتجمد ويحترق بالتناوب في الطقس المبارك لأرض الوطن: أوروبا.

4

  • شكراً، ألف شكر، مليون شكر يا معلم كوباس. – قلت ذلك و أنا أتلقى الهدايا التي وضعتها لي هذه العائلة الكريمة على المائدة.  و كان صانع البراميل الطيب  قد ألح علي في قبول ضيافته السخية،و قال لي: » ابن السيد لاثارو هو ابني، و إذا لم يستطع الابن الضال أن يسكن في بيت والده ،  فالموضوع «في بيته»، أنا  سأستضيفك يا تروبيكيوُّس، و لتعلم أنك في بيتك.

ملأ الامتنان روحي بسكينة سماوية و لم أعرف كيف يمكنني أن أرد كل هذا الكرم ، و عندما لم تجد مشاعري كلمات لتعبر عنها ، لذت بالصمت.

كانت المعلمة كوباس – زوجة المعلم كوباس- امرأة ريفية  جميلة ذات نهدين طافقين تتميز بخفة الحركة مثل دولثينيا، محبوبة دون كيخوتي الشهيرة. بلغ  زوجها الخمسين  و كانت هي في الأربعين  ولكن ما زالت محتفظة بجمالها و شبابها ، أسنانها شديدة البياض تدعو للاعجاب و لها طلة هادئة. جمعت هذه السيدة بين الأفكار الطيبة و الأعمال الخيرة.  كان ابنها بيليساريون يدرس ليصبح قساً و كانت ابنتاها رامونا و باولينا فتاتين ريفيتين شديدتي التأدب و العقل و الجمال، و كانتا مشتركتين في مجلة للأزياء كما  أنهما أيضاً كانتا تقرآن أعمالاَ جادة و تختاران ملابسهما وفقاً للأذواق في عواصم الحضر  و لكن في بساطة ساحرة و خالية من أي تكلف، و لهذا فقد التمست لهما العذر منذ الوهلة الأولى على  شدتهما الحضرية ذات المسحة الريفية. كان الفتاتان تتحدثان بتحفظ لا يخلو من الحدة .

ذات يوم ، جلست الفتاتان  تخيطان في شرفة غرفتهما  التي تحميها ستارة عريضة من أشعة الشمس، تلك الغرفة التي تطل على الحديقة العامرة بشذى الفواكه المتنوعة و الزهور و الهمس البديع للعصافير. في الأسفل كان كوباس يريني أشجار الفاكهة الخاصة به، و سمعتهما تضحكان بلطف من مظهري الغريب، و عندما نظرت نحوهما لأستفهم عن سبب هذه الضحكات فبادرتاني قائلتين: «لا يا تروبيكيُّوس، ليست هذه الضحكات عليك».

خفق قلبي سعادةً حيال هذا الرفق الذي أولته لي هذه العائلة الكريمة.، و شعرت بحالتي الصحية المتدهورة و قد حلت محلها الطاقة و العافية،   فأصبحت كمن يفيق من الخدر بفضل يدين حانيتين رقيقتين مخضبتين ببلسم شافٍ.

كان المعلم كوباس يلتهم الطعام بشراهة و أرادني أن أنحو نحوه ، لكن الأمر كان صعباً بالنسبة لي على الرغم من استعادتي التدريجية لشهيتي.

-انصت لما سأقول جيداً يا تروبيكيٌّوس  -قال لي-  عليك أن تقنع نفسك أنه لا يجب أن تموت. في هذا العالم يا بني يجب أن نقوم بالتالي: نذكر الله و نأكل جيداً و نترك ما لا حاجة لنا به. فلتنح  الأحزان و الهواجس جانباً. نعم، إنك مصاب بداء السل و بشدة مثل شجرة التوت تلك التي تظلنا و تروِح  عنا بفروعها. لكن لونك تغير في ثمانية أيام و كسى اللحم جسدك و تخلصت من تلك النظرة البائسة . أليس كذلك يا ابنتاي؟ يبقى أن نحولك إلى شاب مليح الطلعة و أن «تربي كرشاً » مثل هذا الذي تراه أمامي. كل المزيد من هذا الكبش الشهي. أيحتاج الأمر لإقناعك أن أردد على مسامعك قول مأثور باللاتينية؟   ، أنا أيضاً أعرف أقوالاً مأثورة باللاتينية، ، إليك هذا:

“omnis saturatio bona; Pecoris autem optima”  [1] 

ما رأيك يا صديقي تروبيكيوٌّس؟ ارتشف رشفة كبيرة من ذلك النبيذ الأحمر الرائع الذي أشرفت على زراعته و جنيه و عصره و تخميره و تخزينه و تكريره و تعبئته ، في نفس هذا المكان. أي نعم!، في هذه الأرض العجائبية، أفضل أراضي الدنيا.

فأجبته بأنني حقيقة بدأت أشعر بالنشاط يدب في أوصالي كما لو كانت تتسلل دماء جديدة في عروقي تدريجياً ، لكن مع ذلك لم يخالجني أي  أشك في خطورة مرضي فأنا متأكد من حتمية موتي مع تساقط أوراق الأشجار.

ما إن سمع المعلم  حديثي هذا حتى انفجر في ضحكات صادقة فكان أشبه ببرميل  نبيذ نزع الصنبور عنه فتدفق محتواه بغزارة ، فهكذا بدأ: بقهقهة مدوية امتزجت لاحقاً بكلمات مبهجة ممزوجة بتناثر خفيف لبصاقه الذي طرطش بعض الشئ على الأشخاص الموجودين بالقرب منه.

-مع بداية سقوط الأوراق!، يا للسذاجة، سبحان الله . إننا اللآن في مستهل أفضل فترات السنة، إنها أكثر فترة مبهجة و مفيدة و صحية.  من ناحيتي أؤكد لك أنني في باقي فترات السنة أشعر بالملل الشديد ، فالعمل قليل و الورشة تكون شبه متوقفة… اصلاح من هنا… اضافة لوح إلى برميل  من هناك… ارخاء و شد الإطارات…

 لكن الآن الخريف يقترب، و من الواضح أن  المحصول سيكون جيداً . و سأبدأ في سماع عبارات مثل «يا معلم كوباس، اصنع لي عشرين برميلاً» ،… «و لي 12 برميلاً»، …»لا تنساني، يا معلم، أريد تعبئة 800 أروبة من النبيذ[2] «. بالطبع لن أغفل ما نصيبي من البراميل،  فلن يكفيني 100 أو حتى 200 برميلاً، فالسماء تمطر نبيذاً في شهر أكتوبر ، و في كل عام يزداد النبيذ عما قبله ، فما أن يبدأ شهر سبتمبر حتي يبدأ العمل العظيم في ورشتي، فتقرع المطرقة باطن خشب السنديان مُصدرةً أروع موسيقى يمكن سماعها:  دوم تاك دوم. قل لي  أمرّت على مسامعك ضجيج قيثارة أو ناي كهذه الألحان؟ بل و أسألك أيضاً إذا كنت تعرف شيئاً أكثر بعثاً على السرور و الفرح من التواجد في الورشة و أنت تعزف    قرعات و طرقعات و تتمنى أن تنتهي من عملك كي تذهب لترى الأعناب: إذا كانت قد امتلأت جيداً ، إذا كانت قد بدأت في التلون، إذا كانت الأمطار قد أنضجتها ، إذا كانت الشمس قد جوَدتها.  ماذا يمكن أن يكون أروع من أن تقوم على خدمة  الجفان التي تسقط على الأرض وتلك التي تكون محملة بالأوراق؟. ثم يأتي اليوم المشهود، ليلة عرس النبيذ،   جني المحصول يا تروبيكيوٌّس، العمل الذي من أجله خُلق العالم . هكذا يجب أن ترى هذه الفترة من السنة. ، لن أقول لك شيئاً آخر. بالنسبة لي، تتلخص لذة الحياة في هذا الجزء الناضج من السنة، الذي يشبه ساعة العصارى اللطيفة التي -عندما نحصد ثمار عملنا صباحاً- تبشرنا بليلة هادئة. إنها تلك الفترة التي تمثل الحد  الفاصل بين الحياة الدنيوية الفانية و حياة المجد  و الخلود.

5

بهذه الأحاديث و غيرها جعل المعلم كوباس الغداء مسلياً ، وقد عكس حديثه هذا  طبيعته الشريفة و حبه للعمل الذي يدين له بالبحبوحة في العيش و السلام اللذان يعمان بيته.

في الأمسيات الرطبة و الجميلة -التي كانت تقصر مدتها يوماً بعد يوم- كان المعلم كوباس يكد في ورشته، في حين كانت زوجته تشرف على التجهيزات موسم الحصاد المقبل بعناية شديدة ، و كنت أنا و الفتاتين نجوب كافة  أنحاء المزرعة لجمع الثمار الناضجة.  كم كان  جدير بالتأمل كيف نكوم  أعمدة الخوخ و نكدس الكمثرى و البطيخ، فنفصل بين الثمار المختلفة و نفرزها لتقديمها لبائعي المدينة بعد أم نحتفظ بأفضلها للمنزل.

كانت الفتاتين شديدتي اللطف، و قد استطاعتا وسط أجواء الخواء الفكري أن تحصلا على قدر من الثقافة. فتعلمتا الآداب الإجتماعية الرفيعة ، كما تعلمتا أيضاً كيف تغطيان جذور الخضر بالتراب و كيف تحفظا الفاكهة حتى فصل الشتاء و كيف يمكن الاستفادة من نبات الهليون، و بأي درجة و قدر يجب أن تروى أشجار الفلفل الأخضر، و أي أنواع الأعناب تعطي أفضل عصير،  و أي الرياح أفضل لينضج اللوز ، و  في أي اتجاه يجب أن تبنى حظيرة الدجاج  و ما هي الطريقة التقليدية  العبقرية و المثلى لتجهيزعش الأفراخ الصغيرة.  و كنت أذهب بصحبتهما كي أتعلم شيئاً من علوم الريف الفريدة من نوعها و التي تفوق في الجمال  و الطيبة كل العلوم الإنسانية.

كانت رامونا العزيزة تجتهد في تعليمي هذه الدروس، فكنا نذهب لنطعم الدجاج و كانت تقول لي: يجب ألا تعطي الدجاج طعاماً أقل أو أزيد من حاجته ، لكن في حالة عدم استطاعتنا تحديد هذه النسبة جيداً فيفضل الاقتصاد على الاسراف. إن الحكمة تستدعي أن نوفر من الطعام ما يقل قليلاً عن الحاجة كي نحافظ علي السلامة البدنية و النفسية.

أكدت لي هذه العبارة الغريبة ما كنت أستشعره، فرامونا فالصغيرة كانت تتمتع بذكاء فريد و حدس عالي و فطنة كبيرة . و تطبيقاً لقاعدة أن  الحياة لا تعطى كل شئ ، كان من  المنتظر ألا تتمتع هذه الفتاة بالجمال، لكنها كانت جميلة.

طلبت رامونا و أختها مني أن  أقص عليهما مغامراتي، فحكيت و حكيت  و قصصت عليهما عجائب و مفارقات، فوصفت بلاداً و رسمت شعوباً و أحصيت ثروات كانت أشبه بالأسطورية . ثم بعد طول ثرثرة كنت انزوي على نفسي معتقداً أنني لم أقل شيئاً … خرجت من بين شفتاي ملايين الكلمات لكن قلبي كان لا يزال مثقولاً  ملآناً كحال البرميل الذي يخمَر في جوفه المقعر عصير العنب الذي تم استخلاصه حديثاً من الأعناب.

6

  • موسم حصاد العنب!

كان المعلم كوباس يسرع في الحركة كالمصاب بالصرع و يطلق صرخات كالمجانين في حين كانت زوجته تعطي الأوامر بهدوء و تسلسل فلا يتراكم أمر على الآخر. كثرت السلال المليئة بالأعناب فلم يسعها حوش معصرة العنب. و في مكان ليس ببعيد انتشرت أصوات القرقرة الفارغة و العميقة للبراميل و هي يتم ملئها، كأصوات مضمضة أفواه عمالقة  ملأت أفواهها و تقلب بين سقف الفم و اللسان أمواج صغيرة.

على الجانب الآخر كانت رامونا و أختها تراقبا عملية فصل الأعناب فكانتا تقومان بجمعها وفقاً لنوعها و درجة نضجها ، فالنبيذ الجيد لا ينتج عن العصر العشوائي لكل ما يتم قطفه من العرائش.  

و سرعان ما ظهرت نتيجة عمل المعصرة: ظهرت دفقة  رغوية داكنة ، مرت بالقناة حتى وصلت إلى صهريج صغير، و هناك وقف رجل  وسط عصير العنب الذي وصل حتى ركبتيه، فكان يفرغ الصهريج بواسطة دلو كبير مع قيامه بقياس مستوى النبيذ في الصهريج و عد  الأدلية تحت ناظريّ السيد. و كان  الجميع- الفتية الذين يقومون بالعصر و الرجل الذي يقيس و العمال الذين كانوا ينقلون ذلك المشروب إلى القبو –  جميعهم صبغهم لون أحمر قرمزي حاد كما  لو كانوا يتصببون نبيذاً و ليس عرقاً، و جميعهم أصابتهم نشوة و سعادة محمومة  فكانوا يملأون قبضتهم بالعنب الذي عصروه  و يفركون وجوههم  به راسمين خطوطاً مثل القبائل البدائية . و كنت أنا أقوم بتدوين أعداد جرار العصير التي كانت توضع في القبو شاعراً أن روحي تواصلت مع اللذة القلقة للمعلم كوباس و  الرضا المعتدل و الرصين  لزوجته الجميلة. و حرصت الفتاتان اللتان انسحبتا نحو المنزل على ألا ينقص شئ  من الطعام في الوجبة التالية التي كانت ستقدم لكل هذا العدد من الأشخاص. في تلك الآونة كان القبو يزداد في الامتلاء، و عبرت البراميل بكثير من الزبد عن غضبها فهي لم تعد تستطع ابتلاع نبيذاً أكثر من ذلك. لكن لم يمثل ذلك الأمر مشكلة،  فالبراميل كثيرة  كما توجد أوانٍ و خوابئ و قدور  .  

 هناك، كان رحيق الآلهة طفلاً حديث الولادة يحدث جلبة و اضطراب، و أصبح وجوده تمهيداً لآلاف الأفعال الصبيانية. هذا الرحيق نديم الملوك و الشعوب، الديموقراطي العظيم و الدكتاتور الكبير، الرجعي و الثوري في آن واحد ، الذي لا ينسى أبداً مبادئه العليا النافعة  الصحية و المُسكرة، إنه ذلك المشروب الذي لم يقابل الأنفة فالجميع، مرضى و أصحاء،  ينظر إليه بعيون لامعة. إنه ذلك المشروب الذي يترأس مآدب الأصدقاء و حفلات المصالحة، هو الذي يظهر  في لحظات البهجة عندما يتم اطلاق قاذفات من الفلّين  فيفيض بالبلاغة و الحنو و الحماس و الآمال و الإيمان العميق . إنه ذلك المشروب الذي يرمز,في مذبح الكنيسة الئ دماء المسيح التي ضحي بها، ثم بعد أن يجتمع مع الخبز على المائدة الإلهية يزهو بصداقته لأعظم الرجال: نوح ، الشاعر الإغريقي أناكريون و الشاعر الروماني هوراسيوس و شكسبير و آخرين. هو  المشروب الذي قُدِّس كالآلهة في اليونان ، و تُوج بالزهور في روما و تغنى له الألمان و مجده البرابرة و حمله الفاتحون إلى أقاصي الأرض. هو الذي يُطوع بمرونة مدهشة على طباع كل بلد : فهو مُزٌ رقيق في فرنسا و حلو في إيطاليا و قوي   في المجر و جاف و ناري في إسبانيا و خفيف و مفكر في ألمانيا ، و هو الذي أشعل حروباً قاسية بين الشمال الذي ينتظره و يشتهيه و الجنوب الذي ينتجه.  ذلك المشروب الذي له نصيب من أحزان الشرق المسيحي و حماس الشاعر الإغريقي عند نظم الشعر، و التطرف القاسي للقوط،  و الجسارة الفظة للقصائد الغنائية التي تحولت لتصبح   جزءاً من معركة ملحمية بين جنسين شعريين تصارعا خلال قرون على بضعة سهول من الكروم، و كان له دوره في حالة السكر اللطيفة لشعر الرين، و في الملحمات العريقة للبرتغاليين الجائلين في العوالم محاولين تقريب ذلك الكأس المقدس  إلى الشفتين الرقيقتين لابن كونفوشيوس و ايقاظ الناسك البراهماتي الذي يكتفي – للأسف- بأن تسكره المياه و التأملات من «نيرفانته». هو الذي يتسبب في لذوعة أحاديث الفرنسيين الممزوجة بالدعابات، و هو الباعث على نشاط  خيال الفنانين الفلامنك و روح الفكاهة عند الرسام تينيير و رسومات روبينزالمليئة بالألوان و الحركة. تعزى إليه أيضا تلك الجدية الفكاهية لدى الإنجليز و حمى العمل و هذه الإثارة المتعقلة التي تقود إلى الكثير و العظيم من النجاحات، إليه الفضل في أعظم ما هو قديم و حديث، في الأدب و الدين، في العادات و الفنون،   في جميع أوجه الحياة. في النهاية ستلمسون التأثير القوي لذلك الشريك المؤثر في الانتاج الإنساني. 

7

حلت أيام رطبة و هطلت أمطار باردة مستمرة عنيدة ة جلدت الأشجار التي كانت أغصانها تتعرى تحت وطأة الرياح الشديدة. لكن بالرغم من ذلك كنت أشعر أننى أقوى، فقد تلاشت مخاوفي من موت قريب و لم يعد فصل الخريف يسبب لي الرعب .

«أريت كيف لم يحدث لك شئ؟!»  -قالها لي صديقي على المائدة بعد الاحتفال بشهيتي المفتوحة بأفعال تثبت شهيته المفتوحة  أيضاً-. «شهرين من الحياة في الريف و العمل في هدوء استطاعت أن تجعل مخاوفك الساذجة تتلاشى ، فردت فيك الصحة و السعادة و الأمل. سبحان الله.»

ثم ارتسمت نبرة صوته بجدية لا تخلو من تعبير يدل على التأمل و أضاف:

«إننا الآن نعيش فترة من العام يمكن أن نقارنها بفترة ما بعد الظهيرة، و نقترب من ذلك الغروب الذي نسميه شتاءً .  يا عزيزي تروبيكيوٌّس إننا نحتفي بالخريف الذي يمثل  نضج السنة و نضج الحياة ، فهو التجربة و الثمرة و المحصول الذي تم جنيه و و الاعتزاز به.  دعنا لا نخش أن يذكرنا هذا الفصل النبيل باقتراب حلول فصل الشتاء الذي يمثل غروب السنة و الحياة. إن فكرة الموت تسبب الحزن للأغبياء فقط. في رأيي ما الموت إلا مرحلة الزراعة استعداداً للحصاد في الحياة الأبدية».

ثم التزمنا جميعاً الصمت ، كنت أتأمل وجه حبيبتي رامونا المضطرب بسبب حديث سابق تم بيننا عند عودتنا من الحديقة قبل العشاء بقليل.  عاود كوباس الكلام ،  لكن هذه المرة تغير تعبير وجهه الجاد فارتسم تعبير بالسعادة و الاحتفال عليه ، قال لي : معظم الرجال العظماء ولدوا في الخريف، يا سلام!، أتضحك من كلامي؟!  صحيح إنني رجل متوسط الثقافة ، لكن اليك هذه الكوكبة من الأدباء الذين ولدوا في الخريف و ماتوا في الربيع: ثربانتس،  فيرجيليو، بتهوفن، شكسبير. اقرأ الإحصاءات يا عزيزي تروبيكيوُّس و سترى كيف نولد في هذه الأشهر و نموت في شهري إبريل أو مايو».- ثم أطلق ضحكة-. «إنني أقول لكل من يتحدث بسوء عن فصل الخريف المحبب إلى قلبي أنه أب الشتاء و جد الربيع المزهو المختال. و هو أيضا ابن الصيف الذي يعد في نفس الوقت ابن حفيده الخريف.”

بلا شك كانت الرأس الهرقلية لصانع البراميل الطيب تستغيث من فرط الشراب، فقد أصر على جمع النظرية بالتطبيق معاً من خلال ذلك الشراب الخريفي اللاعج.

كنت أنا و رامونا قد أمضينا عصر ذلك اليوم في حديث مسلٍ لطيفٍ و عفيف، كان كلانا جاداً ، و كلانا كان جيد التخطيط  و حريص على استشفاف آفاق المستقبل التي بدت لنا وردية. و في المساء، بعد الانتهاء  من العشاء ، قال لي المعلم كوباس -بعد أن بخَرني دخان غليونه-: «عزيزي تروبيكيوُّس، أنا  لست معترضاً، و لا زوجتي أيضاً معترضة، إذن فلا أحد.. لا أحد على الاطلاق معترض».

ثم وضع يده المكتنزة على كتفي مما جعلني أنحني تحت وطأة وزنها و  أضاف : «إن ابن صديقي لاثارو يجب أن يكون ابني. بالمناسبة  إن أرضك توجد هناك، و حالتها ليست بسيئة، فقط يجب اعادة زراعتها، و سنقوم بذلك «. ثم دار أكثر من مرة كبرميل يتدحرج تحت أيدي صانعه، ثم اقترب مرة أخرى و عندها عانقني بقوة حتى شعرت أنني سأختنق، و قال لي: «سنعيد بناء المنزل».

هربت من رأسي الكلمات ، و تركته يعانقني و أنا أشعر  بحركة كرشه الذي كان أشبه بكُرة كبيرة من المطاط تثب و تنط.  ثم نادى صانع البراميل على زوجته التي أتت مسرعة جادة ثم بشوشة. ثم  ما لبث أن نادي  المعلم كوباس ابنته  بعلو صوته : » رامونا…، يا رامونا».

دخلت الفتاة مضطربة و خجولة متجنبة نظراتي. عينيها الجميلتين كان بهما اصرار فريد على امعان النظر في الأرضية  و التهرب من النظر إلى وجهي أو وجه والديها الطيبين. كيف لي أن أحكي بكلمات قليلة و لكن معبرة أنه تم الاتفاق على كل شئ في نفس تلك الليلة ؟!

كانت سعادتي سبب آخر لاسترداد عافيتي. لقد أصبحت رجلاً آخر من الناحية الجسدية و النفسية، فقد وهبت لى الحياة آلاف المنح التي لم أكن أعرفها من قبل. أصبحت صحيحاً محبوباً محباً، مالكاً مرة أخرى لأراضي والدي و المنزل المتواضع الذي ولدت فيه، و مالكاً أيضاً لذلك القلب الطاهر النبيل لامرأة ساحرة عاقلة صالحة غنية. كان من شأن هذه  السعادة أن تصيبني بالجنون للأبد.

لا أعرف جيداً متى حدث هذا، هل كان عند زواجي أم بعد ذلك بقليل: شعرت رجفة في نابعة من أعمق أعماقي، و كانت يديّ زوجتي بين يديّ، أكنت أيضاً ممسكاً بخصرها؟ لا أدري. فقط أعرف أن كل شئ تبدل فجأة أمام عيني، دار  العالم بي بسرعة ، و وجدت نفسي ملقىً على الأرض تحت منضدة في حالة تشبه البله (هذا إذا لم يكن ما ألم بي هو البله بعينه)  . ثم بدأ تأجج تفكيري فى الانطفاء. لمست الأرض لأتأكد من أن ما يحدث حقيقي. أدركت أن جسد ما مد ذراعيه نحوي  كما لو كان يريد رفعي من على الأرض، و أعتقد أنه تمكن من ذلك و وضعني على الأريكة.

كان خادمي،  الذي عندما رآني و قد تملكتني هذه الحالة  أحضر لي فنجاناً ينفث دخاناً و قال لي: ستنتهي هذه الحالة بشرب فنجان من القهوة الجيدة القوية.


[1]  «كل الطعام شهي، و أفضله الأغنام «.

[2]   ربع وزن يساوي 11.5 كيلو جرام (و قد يطلق على مكاييل قديمة أخرى).

  • Related Posts

    Diwan Mayrit: puente cultural entre España y el Magreb, traducción de Mostapha ZIAN

    La editorial «Diwan Mayrit», destacada en el ámbito literario y académico, se ha establecido como una referencia en el intercambio cultural entre el norte de África y Oriente Medio, centrándose especialmente en las ciencias humanas y sociales. Fundada en el…

    El tacaño Salomón, de Benito Pérez Galdós, traducido al árabe

    Título en árabe: «البخيل سالومون»المؤلف: مجهول البخيل سالومون[1] (انتظروا أيها البؤساء) مسرحية من فصلين تم عرضها على مسرح لارا بمدريد في ليلة الاثنين من فبراير لعام 1916 الفصل الأول صالة متواضعة نجد فيها ورشة بيليجرين للنقش على المعادن ومائدة عليها…

    Deja una respuesta

    Tu dirección de correo electrónico no será publicada. Los campos obligatorios están marcados con *

    ARTÍCULOS

    Galdós dibujante. Tertulia entre canarios

    Galdós dibujante. Tertulia entre canarios

    El paradójico patriotismo de los afrancesados

    El paradójico patriotismo de los afrancesados

    Canarias, orgullo y raíces en un día para celebrar

    Canarias, orgullo y raíces en un día para celebrar

    Los desajustes de la globalización y la persistencia de los problemas no resueltos del imperialismo

    Los desajustes de la globalización y la persistencia de los problemas no resueltos del imperialismo

    Historia del divorcio en España

    Historia del divorcio en España

    Noches de Museos con Galdós

    Noches de Museos con Galdós

    San Isidro en Madrid: Tradición castiza, literatura galdosiana

    San Isidro en Madrid: Tradición castiza, literatura galdosiana

    Conmemoración: Benito Pérez Galdós, 182 años del cronista eterno

    Conmemoración: Benito Pérez Galdós, 182 años del cronista eterno

    El valor de la prensa en las victorias obreras

    El valor de la prensa en las victorias obreras

    Galdós entrando en el partido republicano

    Galdós entrando en el partido republicano

    La prensa socialista española y alemana a finales del siglo XIX

    La prensa socialista española y alemana a finales del siglo XIX

    «Amanecerá Dios y medraremos”: Galdós sobre el Primero de Mayo

    «Amanecerá Dios y medraremos”: Galdós sobre el Primero de Mayo